رنّ جرس الحصة ليُعلن عن بداية الرعب الآتي في الـ 45 دقيقة القادمة. لم أُحب الكيمياء قط، مُعلمة مادة الكيمياء «سوسن»، هي مُعلمة منضبطة ونموذجية -كما تقول-. تُشير دائمًا بأننا جيل يفتقر للطموح والاجتهاد، لهذا هي تسعى لوضع بصمتها المميزة لتحفيزنا باستخدام أساليبٍ غير نافعة.
«العصا لمن عصا»، «ولكل مجتهد نصيب» هذا ما اسمعه منها أثناء ضربها لي أمام الصف بأكمله، وذلك بعد إخفاقي في حل بعض المعادلات الكيميائية لعدم فهمي لها. كل دقيقة في الحصة تمر كأنها ساعة، فأنا في ترقبٍ وقلق دائم؛ خوفًا من إحراجها لي سواءً بالشتم أو بالضرب، لهذا تركيزي يبدو ضائعًا في الدرس!
«العصا لمن عصى» بَدت لأجيالٍ هذه الجملة مبررًا للعقاب الجسدي لكونه أسلوبًا مناسبًا وذو نتائج سريعة للتحكم في سلوك الطلاب. إلا أنّ اتفاقية الأمم المتحدة أقرت في عام *1989 على أن أساليب الضبط المدرسي يجب أن تكون مُتسقة مع الإنسانية وكرامة الطفل، كما أقرت بأن العقاب البدني الذي يستخدمه المعلمون يبدو غير فعال وخطير وغير مقبول؛ لكونه ذا تأثيرات سلبية شديدة على الطلاب والأطفال.
إذا عُرف السبب بطَل العجب، قبل الخوض في تفاصيل تأثير هذه الأساليب التأديبية على الطلاب؛ لنتمعن في الأسباب التي جعلت من هذه الأساليب متأصلة في مختلف المجتمعات والثقافات التي تتباين في عاداتها بشكل كبير؛ إلا أنها اشتركت في هذا الأسلوب التأديبي.
المشكلة هو أننا نخلط بين الاحترام والخوف، يخاف الطلبة من العقاب لهذا يمتثلون لطلبات المعلم، ليست احترامًا له، أو بسبب حبهم للمادة الدراسية؛ بل لأن وقود الدراسة الآن هو نتيجة خوفهم من الإحراج العلني والتعنيف الذي قد يتعرضون له.
عندما يظهر المُعلم احترامًا لكرامة وإنسانية الطالب وسلامته، يتعلم الطالب بذلك احترام نفسه واحترام الآخرين، وعندما يقوم المعلم بتأديب الأطفال بطرق إيجابية وغير عنيفة، يتعلم الطلاب أنّ الصراعات يمكن حلها دون التخلي أو التعدي على احترام غيرهم.
عدم الدراية بالأساليب الإيجابية التي يمكن اتباعها في تأديب الطالب، وعدم الدراية بحقوق الأطفال، وكيف نضمن لهم بيئة مدرسية صحية، وكيف يمكن أن تكون الأساليب العنيفة ذات تأثير سلبي على نمو الطفل الصحي. إضافة للمشاكل الإدارية والرواتب غير المنصفة، والصفوف الدراسية الكبيرة، والمدارس فقيرة الموارد، كل هذه العوامل تساهم في خلق الفجوة بين الطلاب والمُعلمين والعملية التعليمية، كما أن هذه العوامل تؤدي إلى نفاذ صبر المُعلم مما قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة واستجابات غير مناسبة من قبلهم نحو سلوك الطلاب.
من المهم أن نُميز بين مشاكل الانضباط في المدارس والطرق التي تستجيب بها المدارس لها. تنجم مشاكل الانضباط في المدرسة من مزيج من عدة عوامل، بما في ذلك الظروف الفردية والعائلية للطفل والبيئة المدرسية، وكيف يتم تدريب المُعلم لاعتماده في مهنة التدريس، إضافة لمدى كفاءة المناهج الدراسية.
سبب سوء انضباط الطلاب هو فشل النظام في تحديد الأسباب، مشاكل الانضباط لم تنتج عن عدم إلحاق العقاب البدني. إن حل المشاكل الخاصة بأداء الطلبة أو سلوكهم تتطلب تعاطف واحترام.
بالطبع كل ما سبق ذكره كل ليس بمبررٍ لاستجابة المُعلم غير السليمة مع الطالب. العقاب البدني واللفظي يمكن أن يبدي فعالية فورية، ولكن له تأثيراته السلبية على المدى القصير والطويل.
إن الطالب الذي يتلقى العقوبة يربط الخوف ليس فقط بالسلوك غير المرغوب فيه ولكن أيضًا بالشخص الذي ينفذه أو بالموقف الذي يحدث فيه. إن العقاب البدني أو اللفظي قد يفقد الطالب الاهتمام بالمادة الدراسية، كما يمنحه مشاعر سلبية تجاه نفسه، وتجاه المعلم؛ مما يؤدي لحصول الطالب على درجات منخفضة.
إن الآثار الضارة لا تدوم فقط في مرحلة الطفولة ولكن غالبًا حتى مرحلة البلوغ. إن هذه الطرق تجرد الأطفال من إنسانيتهم وقد تحولهم لزمرة من المتنمرين الذين يدورون في دوائر من العنف. في تلك المرحلة وخاصة الابتدائية تتشكل لدى الطفل قيمته، وتتبلور ثقته بنفسه، وفي حال تعرضه لهذه المشاكل، يتجرد الطفل من قيمته، ويخاف ويخجل. إن المعلم الذين يحمل عصا في الفصل أثناء التدريس يجعل تركيز الطلبة مُنصب بعدم تلقي الضرب عوضًا عن التركيز في تلقي المعلومات.
هذه المواقف تجعل الطلاب لا يعيرون التعلّم أولوية. بسبب الخوف، قد لا يشارك الطلاب بشكل فعّال في تقديم المساهمات والأفكار والآراء حول ما يعرفونه بشأن الدرس، وهذه الأساليب تزيد من السلوك المعادي للمجتمع، ويمكن أن تؤدي إلى مشاكل في الصحة العقلية.
في بعض الحالات، قد يتوقف الطالب عن الذهاب إلى المدرسة لتجنب المعلم. تشير الدراسات إلى أن العقاب البدني هو سبب مباشر وهام في هرب الطلاب من المدرسة أو لتركها بشكل كامل. في نيبال على سبيل المثال، وُجد أن 14٪* من الأطفال أكدوا أنهم هربوا من المدرسة بسبب الخوف من معلميهم. أفاد العديد من الأطفال الذين تعرضوا للضرب أنهم يتركون في كثير من الأحيان الأنشطة المدرسية أو ينسحبون من العملية التعليمية.*
يجب أن يكون هناك تدريب للمعلمين لمساعدتهم على الحفاظ بشكل فعّال للسيطرة على الفصل الدراسي دون اللجوء إلى أساليب عنيفة أو عدوانية، عبر ورش، أو دورات تدريبيّة تقام تحت إشراف الوزارة.
إذا أوصى المعلمون الطلاب بحسن السلوك لمنحهم بعض الجوائز والمكافآت، سيحاول المزيد من الطلاب أن يصبحوا أشخاصًا نموذجيين في المدرسة. أتذكر أنّ مدرستنا كان تقيم مسابقة الطالب المثالي في كل شهر، حيث في مطلع كل شهر يتم اختيار طالب واحد من كل فصل ويتم تسليم شارة الطالب المثالي له ليأتي بها في ذلك الشهر، كان هذا الأسلوب محفزًا جدًا، وأذكر سعادتي عند حصولي على شارة الطالب المثالي لليوم واحتفظ بها أيضًا كتذكار.
يجب أن يكون لدى المدارس عدد كبير من الاستشاريين لمساعدة الطلاب على التواصل مع شخص بالغ مهتم ومتخصص في حال كانوا يعانون من مشاكل ذات تأثير على انضباطهم أو تحصيلهم الدراسي، فقد يحتاج الأمر للتواصل مع أولياء أمر الطالب بشكل مباشر، أو فرض عقاب غير قائم على العنف مثل، الخدمات الاجتماعية في المدرسة أو خارجها.
رغم أنّ العقاب الجسدي لا زال مشروعاً تحت مظلة القانون التقليد في ليبيا وفقًا لـ منظمة إنهاء العنف ضد الأطفال*، إلا أنني لا أنكر وجود العديد من المعلمين والمعلمات الأفاضل الذين زرعوا فينا جميل التربية والتعليم، لمعرفتهم لنبل هذه الرسالة العظيمة التي يحملونها. أتمنى أن نرى فعلًا نهاية لمظاهر العنف في المدارس، مع وجود رادع قانوني لها، كي ينعم أبناؤنا في المستقبل بتعليم نظيف.
مصادر:
https://www.grin.com/document/192155
https://endcorporalpunishment.org/ar/global-progress/
https://endcorporalpunishment.org/wp-content/uploads/faqs/FAQ-AR-schools-updated-2019.pdf
© 2023 مؤسسة الرواد للتعليم والتوعية، جميع الحقوق محفوظة
بدعم من شركة العنكبوت الليبي
اترك تعليقاً