اسباب تردي التعليم في ليبيا بقلم عزالدين المعلول
بطبيعة العملية التعليمية؛ إذا لم نُراكم النجاح سيتراكم الفشل
المقصود بتردي التعليم هو تدني مخرجات النظام التربوي الليبي في كل مراحله: أساسي، ثانوي، جامعي، وتدني مستوى التحصيل لدى تلاميذ وطلاب هذه المراحل، مما يصنع فجوة كبيرة بين مستوى خريجي كل مرحلة وبين أهدافها التعليمية المرسومة لها من قبل وزارة التعليم.
لا ريب إن مخرجات النظام التربوي في ليبيا ضعيفة وهذا يمكن ملاحظته من قبل كل من له علاقة به سواء أهل الاختصاص العاملون في الحقل التربوي أو البحاث والأكاديميون المهتمون بالتربية والتعليم أو المثقفون وأولياء الأمور.
وتجنباً للإطناب فإنني سوف أذهب مباشرة إلى الأسباب حسب ما أراها وحسب ما وقفت عليه من واقع أعايشه يومياً بحكم قربي من المجال.
فإذا نظرنا إلى طبيعة النظام وحاولنا تتبع بداية المشكلة فإننا للوهلة الأولى سنتوه في دائرة مغلقة، هل يكمن السبب في تقصير المعلم أم يبدأ السبب من ضعف مستوى الطالب؟ وبنظرة متمهلة متأملة نتلمس بها أولى بذور المشكلة سنكتشف إن للمشكلة نقطة انطلاق، فهي تبدأ منذ السنوات الأولى للتلميذ في المدرسة الابتدائية، فبالرغم من أهمية هذه المرحلة باعتبارها مرحلة تأسيسية إلا أن التلميذ يخرج منها بأقل من المأمول وأدنى من المستهدف والسبب هو معلم هذه الأيام، إن ضعف أداء المعلم _في المرحلة الابتدائية_ هو السبب الرئيس لمشكلة تدني مستوى التلميذ لاحقاً، حيث تبدأ كرة الثلج في التدحرج والتضخم وتزحف على كل المراحل اللاحقة إلى المرحلة الجامعية.
يتنقل التلميذ من سنة دراسية إلى أخرى ومن مرحلة إلى التي تليها وليس في جعبته إلا النزر اليسير من أهداف ونواتج تعلّم كل مرحلة ولأن الأهداف تراتبية متصاعدة يبدأ التلميذ يعاني ويتعثر وتتعرقل مسيرته وتزداد رحلته العلمية التعلّمية صعوبة كلما ارتقى في السلّم التعليمي، إلى أن يتخرّج وينطلق في سوق العمل بجميع مهنه والتي أشهرها عندنا مهنة التدريس أي يصير معلماً!.
وهنا تكون كرة الثلج قد اكتملت وأنهت طريقها وبدأنا نجمع الفشل.
ولنسأل السؤال المتوقع والملح: ما سبب ذلك؟ لماذا قصر المعلم في عمله وتسبب في هذه المتاهة؟
ببساطة هناك عدة عوامل ساهمت في ذلك أهمها:
- ضعف المتابعة والتوجيه للمعلم من قبل الإدارات المختصة: فالمعلم مهما كان مستوى تحصيله الأكاديمي، ومهما كانت درجة تأهيله التربوي، ومهما طالت سنوات خبرته، لابد من متابعته وتوجيهه أثناء الخدمة، فطبيعة عمله تتطلّب منه اليقظة والالتزام والمحافظة على نسق أداء عالٍ يستجيب فيه لكل متطلبات مهنته وواجباته، فإذا ما أُهملت متابعته وتوجيهه وغابت عنه الرقابة والمتابعة سرعان ما تفتر عزيمته وتضعف همّته وتقلّ دافعيته وتتحوّل مهنته السامية إلى مجرد روتين يومي يؤديه كيفما اتفق دون تدقيق وبعيداً عن معدلات الأداء المطلوبة.
- ضعف تأهيل المعلم وربما انعدامه نهائياً، فقد مرّت مؤسسات إعداد المعلمين سواء معاهد أو كليات جامعية بتغيّرات جوهرية أخلّت باستقرارها وأثرت بالسلب في مخرجاتها، وتتعلق هذه التغيرات بالمحتوى الدراسي وسنوات الدراسة، كما أن أغلب من يلتحق بها هم من الطلبة ذوي التحصيل المتدني ، فضلاً عن تعيين معلمين غير مؤهلين البتة تخرّجوا من كليات العلوم والآداب والهندسة…إلخ، وهي كارثة تربوية تسبّبت فيها السلطات التربوية العليا المتمثلة في وزارات التعليم المتعاقبة.
- المكانة الاقتصادية والاجتماعية للمعلّم والتي جعلت منه موظف محدود الدخل يحتل ذيل ترتيب موظفي الدولة؛ الأمر الذي دفعه لممارسة مهنته دون دافعية ودون طموح ودون رغبة حقيقية، ففقدت هذه المهنة منزلتها وتحوّلت إلى مصدر رزق لا يلبّي ضروريات الحياة سرعان ما يدعمها المعلّم بعمل آخر أو مصدر آخر للدخل للرفع من مستوى معيشته.
ثم يأتي الكلام عن مستوى التلميذ أو الطالب كسبب ثانٍ من أسباب تدني التعليم، فهذا الطالب الذي تدرّج في المراحل الدراسية المختلفة بمستوى مشوّه يتحمل وزره المعلم، هذا الطالب فقد كل فرصة للتحسين من مستواه بعد ما تقدم في سُلّم المراحل ووصل إلى المرحلة الثانوية أو الجامعية، فحتى لو درس على يدي أمهر المعلمين ودرس أفضل المناهج الدراسية وانضم إلى أرقى الكليات الجامعية سيظل محدود المستوى ضعيف التحصيل.
فما بالك لو صار هو نفسه معلماً؟
عندها تكتمل صورة الوضع المتردي للتعليم في ليبيا، ويتحول الضحية إلى سبب مباشر آخر يزيد من تعميق الحالة واستمرارها، يتحوّل الطالب _ضحية تقصير المعلم_ إلى معلم ’فاشل لا يملك أدنى أدوات عمله من قراءة وكتابة فضلاً عن الكفايات التدريسية ومهارات التدريس، حتى صرنا لا نستغرب من وجود معلم لا يجيد القراءة ولا الكتابة بل وجدنا المعلم يقدم معلومات خاطئة للتلاميذ ويقيّمهم على هذا الأساس.
لابد عند التفكير في إصلاح النظام التربوي من البدء من إيجاد حالة من الاستقرار الشامل لكل عناصر العملية التعليمية والانطلاق مباشرة لتفكيك كل المعضلات بالتوازي ودون التركيز على جانب وإهمال آخر.
فحزمة الإصلاحات يجب أن تغطي متابعة المعلم، وتأهيله، وتحسين وضعه المادي، ثلاثة محاور رئيسة كفيلة بتغيير واقع التعليم والنهوض به، تبدأ بتفعيل آلية مستحدثة للمتابعة و التوجيه والتفتيش التربوي، مدعمة بلائحة دقيقة تنظم وتقيم أداء المعلم إدارياً وتربوياً ومعززة بنظام مكافآت وترقيات واضح ومنصف، وتنفذ بحزم وصرامة.
ثانياً إعادة النظر في مؤسسات إعداد المعلمين من معاهد وكليات من حيث البرامج والمقررات وزيادة جرعات المواد التربوية والتثقيفية العامة والتركيز على الإعداد العملي التطبيقي كجزء جوهري من المقرر الدراسي والأمر يتعلق هنا بالتربية العملية للطالب/المعلم قبل تخرجه، أيضاً العمل على إصدار تشريع أو قرار وزاري يحصر القبول في مهنة التدريس على خريجي هذه المؤسسات المختصة ويوقف فوضى التعيينات التي عبثت بواقع المهنة وأتخمت سوق العمل.
آخر المعضلات التي يجب أن تحل هي الحالة المادية للمعلم ومكانته الاقتصادية والاجتماعية التي آن أوان عودتها إلى سابق عهدها، وذلك بسن قانون جديد للمرتبات يرفع من دخل المعلم أسوة ببقية موظفي الدولة ويراعي خصوصية وحساسية عمله ويعيد له كرامته في المجتمع.
هذا عرض مقتضب لأسباب وكيفية علاج تدني التعليم في ليبيا أردت فيه التركيز على الخطوط الرئيسة للمشكلة والخطوات الأولية الإسعافية للعلاج دون التطرق لكثير من التفاصيل التي تأتي ضمناً والتي يعرفها كل المشتغلين بالحقل التربوي في ليبيا كتطوير المقررات الدراسية بما يناسب روح العصر وبما يتماشى مع أحدث النظريات، كذلك تطوير أداء المعلمين أثناء الخدمة للرفع من كفاءاتهم من خلال برامج ودورات متخصصة ومكثفة، تتناول آخر مستجدات التربية والتعليم.
اترك تعليقاً